يتولد الانطباع الأول لدى الزوار إلى شمال قبرص ذي الاغلبية التركية حول نمط حياة تتسم بالانسيابية والهدوء وسط أراض منبسطة تعانقها الجبال والشواطئ مكونة لوحة بديعة تزينها الأزهار والأشجار.
تمتد أراضي الجزء الشمالي من قبرص الذي تحتله تركيا على مساحة 3335 كيلومتراً مربعاً أي ثلث مساحة جزيرة قبرص تقريبا التي تعد ثالث أكبر جزر البحر المتوسط بعد جزيرتي صقلية وسردينيا، وتمتاز هذه الجزيرة بجمال شواطئها، حيث تمتد السواحل الطويلة على مساحات كبيرة ما يعطي الجزيرة تميزا وسحرا خاصا يستقطب أعداداً من السياح، إضافة إلى مايمتاز به سكانها من كرم يتمثل بترحيبهم بالضيوف ودعوتهم لتناول الطعام معهم ولو كان مجرد احتساء كوب شاي تقليدي.
القبارصة الأتراك تراهم شعبا طموحا، تتركز تطلعاته في طي الماضي والنظر الى الأمام والأمل في توحيد الجزيرة على أساس فيدرالي في ظل مشكلة تقسيم البلاد الى الجزء التركي في الشمال والجزء اليوناني في الجنوب.
انطلاقة جميلة
أول محطة للتعرف على طبيعة المكان وأهله تبدأ من الوصول الى مطار (أرجان) الذي لايعج بالحركة الكثيرة والازدحام كما في المطارات الأخرى، إذ سرعان ماتنجز إجراءات الدخول واستلام الأمتعة.
العاصمة نيقوسيا، أو كما يطلق عليها محلياً (لافكوشا)، هي العاصمة الوحيدة المقسومة في العالم. وتقع في وسط الجزيرة تقريباً. يعود تاريخها الى ألف عام.
تلمس فيها تنوعاً جميلاً وحباً للحياة وأجواء مرحة في ظل مناخ معتدل وهواء نقي ومنعش نظرا لموقعها في وسط الجزيرة. نيقوسيا مدينة تشتهر بغابات الصنوبر والارز التي تزينها وتجعلها حديقة يانعة، إضافة الى شواطئها ورمالها الذهبية التي جعلتها مصيفا، والقرى الصغيرة المتناثرة من حولها لقضاء أيام بعيدا عن الضوضاء.
تضم نيقوسيا مباني تاريخية كثيرة، وتمتاز بجدرانها الفينيقية القديمة وشوارعها الضيقة، وتكثر بها الدكاكين الصغيرة داخل الأزقة والمقاهي والمتاحف القديمة والحديثة مثل المتحف التاريخي والمتحف العسكري ومركز أتاتورك الثقافي، وهو صرح كبير تقام به المؤتمرات والاجتماعات.
وندعوك لزيارة متحف ليفينتس، والكنائس القديمة والمتاحف البيزنطية ومدخل فاماغوستا المدينة الأثرية، وعلى مسافة قريبة من هذه الآثار يمكنك أن ترى الخط الفاصل الذي يقسم جمهورية قبرص للشطر الشمالي والشطر الجنوبي. أما المدينة الحديثة التي قامت خارج الجدران القومية فتعد مركزاً حضارياً عالمياً، وهي مشهورة بمطاعمها والنوادي والملاهي.
من أشهر شوارعها شارع (دريبويو) الذي يعج بالسياح وتمتلئ بهم المقاهي المنتشرة على ضفتيه لاحتساء القهوة والشاي التركي والنرجيلة بمذاقاتها المختلفة.
أما حي ( لايكي تيوتيا) المخصص للمشاة فقط فيقودك الى المدينة القديمة للاستمتاع بالمباني والآثار التاريخية وفرصة زيارة متحف قبرص للاطلاع على مجموعة من التحف والآثار التي تعود للعصور القديمة.
منتجع الساحل
كيرينيا أو (غيرنه) ثاني أشهر مدينة في الجزيرة تزخر بمنتجعاتها، إذ تعتبر منتجع الساحل الشمالي لقبرص.
يعود تاريخها الى مابعد القرن العاشر وتبدو عراقتها في آثارها، ولعل أبرزها الميناء القديم الذي يصبح لؤلؤة مضيئة في المساء ليأتي إليه سكان المدينة والسياح للسهر حتى ساعات النهار الباكر مودعين روعة المكان باحتساء كوب من الشاي ومتابعة هواة صيد الأسماك.
تحيط بالمدينة معالم تاريخية وتستقبلك البوابة والقلعة القديمة (غرنة كاسل) التي تعد أكبر قلعة في قبرص بشكل عام. تضم متحفا بحريا يحكي قصص الرحالة ممن وصلوا الى أرضها.
الطريق من نيقوسيا الى كيرينيا يعد الأجمل في شوارع الجزيرة إذ تبدو الطرق متعرجة تأخذ بالارتفاع بين الجبال كلما اتجهنا نحو القمة، لترى سلسلة جبال الأصابع الخمسة شامخة تتشكل على هيئة أصابع اليد الخمسة وهذا سبب تسميتها. أثناء السير قد تستغرب من بعض السياح من محبي المغامرة توافدهم نحوها سيرا على الأقدام.
أسواق قديمة
الطابع العام للبلد يدعو لاكتشاف كل ما هو خفي سواء من ناحية التاريخ او الثقافة او الجانب الاجتماعي والعادات والتقاليد، فاذا كنت تسير بأحد الشوارع فسرعان ما ستستعيد ذاكرتك الحضارات القديمة التي عاشت على أرضها لتبحث عن متاحفها الغنية وتطلع على أسرارها ومكنوناتها، كذلك المتعة السياحية التي تنفرد بها من شواطئ جميلة وأماكن ترفيهية وأسواق قديمة تزخر بالسلع التقليدية والحرفية والصناعات اليدوية التي تستقطب السياح لاقتناء بعض الهدايا التذكارية الى جانب الأسواق الحديثة التي تعرض مختلف الصناعات العصرية من الجلود والملابس والتحف وقطع الديكور والسجاد.
بعد عناء جولة المدينة لابد من تناول وجبة الغداء وتذوق الكباب والكفتة على الطريقة التركية اللذيذة وستشم رائحة الشواء في أسواق المدينة.
الزيارة الى شمال قبرص تجمع بين متعة الطبيعة والمعرفة من خلال الاطلاع على الثقافات والحضارات المختلفة وأيضا متعة التنقل في الأسواق لعشاق التسوق.
حياة مميزة
يقطن الكثير من سكان المدن القبرصية في عمارات سكنية مشيدة على الطراز الغربي وتقطن أكثرية سكان القرى في منازل مبنية من الحجر أو الطين لكل واحد منها فناء خاص. يرتدي بعض كبار السن من الرجال في المناطق الريفية ملابس كثيرة الزخرفة تسمى (فراكاس) وترتدي بعض النسوة تنورات طويلة وقمصانا قصيرة تسمى (ساركاس). أما في العاصمة والمدن تتنوع الأزياء ذات الطابع العصري.
من المعروف أن عادات وتقاليد الشعوب هي بوابة التعرف على البلدان التي تجعل الزائر ملما بطبيعة البلد من خلال سكانه المختلفين من بلد لآخر. الحديث عن العادات والتقاليد لايقتصر على العادات المألوفة بل كل ما يميز الشعوب من صفات وطباع.
في شمال قبرص وإن كانت اللغة تقف أحيانا عائقا إلا أن أهلها يبتسمون ويملون التحية ما يعطي الزوار إحساساً بالطمأنينة والارتياح.
الملفت للنظر أنهم شعب محب للعمل بشكل متواصل في النهار حتى وقت غروب الشمس، مودعين أماكن العمل والتفرغ للحياة الخاصة، إذ لابد أن يكون هناك تنظيم وإعداد لبرامج لقضاء المساء. كما يستوقفك المستوى الاجتماعي الذي يعيشه السكان من حيث السيارات الفارهة والعصرية وقضاء الاجازات في الشاليهات والمنتجعات او السهرات في المطاعم. طبيعة عملهم ترتبط بالعمل الحر، لذا نجد الغالبية العظمى تجارأً لديهم شركات ومحال في مختلف قطاعات التجارة.
الفخر والاعتزاز سمات تلازم الشعب لما تمتاز به شمال قبرص من قيم تاريخية وأثرية من حضارات سابقة لتسجل تاريخها على الجدران والمعابد والكنائس.
طريق السفر
قبرص جزيرة تقع في الركن الشمالي من البحر الأبيض المتوسط على بعد 64كم جنوبي تركيا، و100كم غربي سورية.
للوصول الى شمال قبرص لابد من حجز تذاكر السفر على الخطوط التركية حيث إنها شركة الطيران الوحيدة التي تصل الى إلى هذا الجزء من البلاد، وهناك يوميا رحلات مباشرة من اسطنبول والمدن التركية الرئيسية الى مطار أرجان، أما بالنسبة لتأشيرة الدخول فينبغي الحصول عليها مسبقاً من السفارة التركية.
يوم السلام
يوافق العشرون من شهر يوليو في كل عام يوم السلام، حيث يحتفل المواطنون بهذه المناسبة. ويعتبر الاحتفال بهذا اليوم تعبيرا عن رغبة القبارصة الأتراك في حل المشكلة العالقة بين شطري الجزيرة.
تسوّق من دون ضرائب
ما يجذب السياح في شمال قبرص، الأسواق المعفاة من الضرائب، فكثير من البضائع المحلية التركية تباع بأسعار تنافسية، كما ان السلع والمنتجات التراثية والصناعات اليدوية لها قيمتها لدى الزوار مثل الادوات النحاسية والحلي الفضية وسلال القش والتحف الخشبية، إضافة الى الأحجار الكريمة والإكسسوارات والجلود من الأحذية والحقائب